الجمعة، 27 يوليو 2012

دراسة فى تشريح القسوة





           صديقى اكمل صقوت استاذ الاورام قى جامعة اورهس بالدينمارك كاتب ومفكر رائع  طلبت منه مرارا ان ينشئ مدونه يعرض فيها افكارة ولم انجح  وهذه احدى تدويناتة مؤرخة فى 31 ديسمبر 2011


اختلاق العدو ..ومستقبل مصر
دراسة في تشريح القسوة


اتسمت الاحداث السياسية المتسارعة في مصر منذ اعتصام مارس، ثم ماسبيرو مروراً بمحمد محمود واخيراً احداث مجلس الوزراء بسقوط عدد كبير من المصابين والشهداء مما يعكس تزايد ملحوظ في استخدام القوة المفرطة من قبل الأمن .


المراقب لسلوك قوات الداخلية والجيش في التعامل مع المتظاهريين والمعتصميين يلاحظ أيضاً استخدام وسائل مثل" كشوف العذرية، الإهانة ، السباب، الإشارات الخارجة ، التبول فوق المتظاهرين ، السحل والتعرية" وكلها وسائل تهدف الى الإيذاء النفسي والمعنوي بالاضافة الى  الإيذاء الجسدي.


كل ما سبق يدفعني -مع كثيرين- الى وصف سلوك الجيش والشرطة ليس فقط بالعنف وانما أيضاً بالقسوة.


استخدام قوات الأمن للعصا لم يكن صادماً لان الاستخدام السياسي للعنف والقسوة قديم ومفهوم. وظهور المشاهد القاسية على شاشات الفضائيات والصحف قد يكون مقصوداً احياناً للارهاب والتخويف ولكن الصادم للكثيرين كان رد فعل المدافعيين عن المجلس العسكري وبعض الإسلاميين  ممن حاولوا لوم الضحية وتبرير القسوة.


وسأقدم هنا نبذة قصيرة عن القسوة، تعريفها ودورها في المجتمعات كمحاولة بسيطة لفهم الظاهرة والجدل الدائر حولها من البعدين النفسي والاجتماعي .


       من الصعب تعريف القسوة لان الدراسات حولها تشمل علوم التاريخ والاجتماع والأنثروبولوجيا وعلوم السياسة بالاضافة لعلم النفس وعلوم الفسيولوجي ووظائف المخ وكل علم من هذه العلوم تناول الظاهرة وفهمها من زاوية مختلفة.


غير ان هناك اتفاق على الشروط المطلوبة لوصف اي فعل بانه قاسي:
الشرط الاول: ان يكون الفعل ارادي وواعي
الشرط الثاني : ان يسبب أذى / ضرر/ ألم نفسي أو عضوي على من لا يستحق هذا الأذى
الشرط الثالث: ان يكون الأذى غير مبرر


وقياساً على هذا تكون :
السخرية من المعاق...قسوة
 إهانة رجل الدين المخالف..قسوة
ضرب المسجون..قسوة
تعذيب المعتقل السياسي..قسوة


ونلاحظ هنا ان الفعل القاسي قد لا يكون فقط إيجابيا بل سلبياً ايضاً وذلك حينما تكون السلبية والصمت سيؤديان الى وقوع أذى على من هو برئ وغير مستحق لذلك.
كما نلاحظ أن القسوة ليست هي القدرة على الإيلام والإيذاء فعلى مدارالتاريخ كانت القدرة على الإيذاء خاصية مفيدة للحماية من الأعداء وكان سائر أفراد القبيلة أو العشيرة قادرين بل مطلوب منهم القيام بهذا الدور.. غير انه مع تطور المجتمع اصبحت هذه الخاصية مهنة يتم تدريب قوات الأمن والجيش عليها وإعدادهم لتوجيهها ضد الأعداء.


القسوة إذاً ليست مرتبطة بفعل الإيذاء نفسه وإنما بمن يقع عليه هذا الفعل ولماذا.  بمعنى آخر القسوة مفهوم أخلاقي ووصف فعل ما بالقسوة يستلزم موقف أخلاقي يحدد إن كان  هذا الفعل  "مبرر" أو "غيرمبرر" وكذلك إن كان المضار "مستحق" أو "غيرمستحق" لهذا الأذى فإن كان الفعل مبرر والشخص مستحق أٌعتبر الفعل "غير قاسي".


        نخلص مما سبق إذاً أن مفهوم القسوة مرتبط بمنظومة القيم في المجتمع. ففي المجتمعات الإنسانية البدائية كانت لدي البشر منظومة من القيم الأخلاقية التي يمكن أن نسميها " القيم الأخلاقية الأولية" وهي قيم تتميز بالبساطة وبأنها تتشابه في الثقافات المختلفة وأنها قد انبعثت من حاجة الإنسان إلى البقاء على قيد الحياة داخل إطار مجتمعاته البدائية البسيطة. تتميز هذه المنظومة من القيم بإنها تجعلنا نهتم اولاً بأنفسنا ومن ينتموا إلينا و من نتعاون معهم و نعتمد عليهم فى البقاء٠ هى قيم تجعلنا نفضل مشاركه من هم مثلنا ونكون حذرين مع الأغراب٠ المنظومه الأخلاقية الأوّليه تجعلنا نشعر بالغضب وندين أى أذى يقع على آىًٍ من أفراد القبيله / العشيره باعتباره قسوه بينما تسمح لنا أن نقوم بنفس الفعل إزاء "الأعداء"٠
يمكننا القول إذاًً أن إزدواجيه المعايير والإقصاء والمحاباه متسقه تماماًً مع منظومه الأخلاق والقيم الأوليه ولكن مع تطور المجتمعات ظهرت منظومه أخلاقية أخرى أكثر تعقيداً يمكن تسميتها "القيم المركبه" تطورت من منظومه القيم الأوًليًّه كإستجابه للإبداعات الثقافيه الحديثه ولتطور المؤسسات القانونيه والمفاهيم الإجتماعيه٠
القيم الأخلاقية المركبًّه وسّعت من مفهوم وإطار المجموعه/القبيله/العشيره التى ننتمى إليها لتشمل جنس الإنسان بأكمله وأصبحت هناك حقوق عالميه للإنسان أياً من كان٠٠٠٠
 داخل هذا الإطار القيًمى اصبح العنف ضد الأعزل قسوه وبالتالى مرفوض بشكل مطلق٠
يمكننا مما سبق اذاً أن نرى فى إستشراء العنف والقسوه فى المشهد المصرى إنتصاراً لمنظومه القيم الأخلاقية الأوّليّه على القيم المركبّه الحديثه وأن  نقرأ فى خطاب مرتكبى القسوة والمدافعين عنها الانتماء لنفس منظومه القيم٠ فإذا ماتذكرنا كيف إنها منظومه متسقه مع إزدواجيه المعايير والإقصاء والمحاباه وحمايه من ينتمى للمجموعه على حساب الغير أمكننا فهم الكثير من جوانب الصوره التى نشاهدها الآن٠
سنفهم محاوله الإعلام الرسمى اختلاق "عدو" من الثوار فى اطار استنفار القيم الأخلاقيّه الأوًليًّه للجماهير لتبرير وتمرير القسوه ضدهم طالما هى ضد الآخر/العدو٠ وسنفهم عنف الأمن وجنود الجيش على المتظاهرين، أليسوا اعداءاً؟ ٠٠٠٠ وسنفهم تصريحات لواء الجيش ان من خضعت لكسوف العذرية "لسن كبنتى وبنتك!!٠
وسنفهم دعوه لميس جابر "تسقط حقوق الإنسان" فما هى إلا دعوه لسقوط القيم المركبه لصالح الاوًّليّه البدائيه٠
كما سنفهم ان موقف الإسلاميين  المتخاذل من قسوة العسكر٠ تلك القسوة التى  جسدتها الصوره الشهيرة للجنود وهم ينتهكوا ويركلوا فتاة التحرير (ست البنات) المصابه والعاجزه عن الدفاع عن نفسها، ليست إنتهازيه سياسيه بل إيمان بشرعيه العنف فى قهر المخالفيين٠
 فقد بادر السلفيين ثم الإخوان الى نفى ان تكون الفتاه منهم مما يعنى "هى خارج إطار المجموعه/القبيله/العشيره مما يعنى انها تنتمى للآخر/العدو والذى لاتنطبق عليه قيمنا الأخلاقيّه الإنتقائيه ولايستحق الحمايه وبالتالى العنف تجاهه ليس قسوة وغير مدان٠ المضحك المبكى ان هذه المنظومه الأخلاقيّه التى تميز هذا التيار الإسلامى هى منظومه مجتمعات متقبل الدوله الحديثه ومافيا الإسلام ٠٠ بمعنى آخر٠٠ إنها قيم الجاهليه٠.
ويهمنى فى النهايه أن انبه إلى أن القسوه ظاهره يجب أن ننتبه إليها وإلى تداعياتها الخطيره على مستقبل الوطن٠ فالقسوة ليست هى الإفراط فى العنف كما قد يظن البعض فالفارق من الناحيه الإجتماعيه والسيكلوجيه    والأخلاقية بين ان تبصق على المخالف فى الدين وأن تعذب المسجون السياسى حتى الموت هو فارق فى الدرجه وليس فى النوع والمجتمع الذى يتساهل أو يتغاضى أو يبرر النوع الأول من القسوه سيقبل بالتعذيب والإضطهاد  والسحل وسينتهى به الأمر  حتماً الى ان يضع المخالفين فى الرأى فى "أفران هتلر"٠




                                                        أكمل صفوت
                                                       ٣١/١٢/٢٠١١