الجمعة، 7 أكتوبر 2016

سعد حلاوة



      مجنون واحد فقط خرج من هذه الأمة العربية الكبيرة العقل المتنحسة الجلد الباردة الدم ، العاطلة عن العمل .. فأستحق العلامة الكاملة.. فى حين أخذنا كلنا صفرا.. مجنون واحد تفوق علينا جميعا و أستحق مرتبة الشرف فى ممارسة الثورة التطبيقية فى حين بقينا نحن فى نطاق التجريد والتنظير .. هذا المجنون العظيم أسمه سعد إدريس حلاوة
نزار قبانى 

نحكى الحكاية من البداية 

 سعد إدريس حلاوة مزارع خريج زراعة متوسطة من محافظة القليوبية مولود فى ٢ مارس ١٩٤٧ من اسرة ريفية متوسطة تملك عدة افدنة بقرية اجهور يساعد والده فى زراعتها وله خمسة اشقاء يشغلون وظائف حكومية وشقيقة واحدة  . يعيش حياة هادئة ولا ينتمى الى اى تنظيم سياسى  

يوم الثلاثاء ٢٦فبراير ١٩٨٠وسيارة سوداء تتحرك في شوارع القاهرة من الجيزة إلى قصر عابدين وفي مقدمتها علم صغير يحمل نجمة داود.. وبداخل السيارة شخص نصف ملتح طويل القامة هو "إلياهو بن أليسار" أول سفير إسرائيلي يتم اعتماده لدى مصر وفقًا لمعاهدة السلام. وعلى استحياء تم الإعلان عبر وسائل الإعلام المصرية عن أن الرئيس السادات سوف يستقبل السفير إلياهو في قصر عابدين ليقدم أوراق اعتماده، 

       في نفس التوقيت الذي كان الرئيس السادات يعانق "بن أليسار" في قصر عابدين اتجه سعد حلاوة إلى مقر الوحدة المحلية بقرية أجهور في القليوبية ومعه حقيبة جلدية بها رشاش ماركة بور سعيد صناعة محلية ومسدس روسي قديم وكمية من الطلقات، وراديو، وكشاف إضاءة وعدد من شرائط الكاسيت تتضمن عددا من الأغاني الوطنية التي غناها عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم. 

     صعد سعد حلاوة إلى مكاتب الموظفين بالوحدة، وأخرج  الرشاش، وأمر كل الحاضرين بالثبات في مواقفهم بدون أي حركة، تصور البعض أنها مجرد مزحة؛ فسعد حلاوة هو الطيب الهادئ الذي لم يعرفوا عنه إلا الجد في العمل وطيب المعشر، هرب البعض  لم يبق بالغرفة سوى اثنين من موظفي الوحدة . أمرهما بعدم الحركة لأنهما رهائن مع وعد بعدم المساس بحياتهما طالما امتثلا لتعليماته، وأوضح لهما أنه لا عداء بينه وبينهما، ومشكلته مع من يستقبلون الأعداء.

       وضع مكبر الصوت وبدأ يخاطب أهالي القرية الذين ملئوا ساحة الوحدة المحلية وأسطح المنازل المجاورة. وأبلغهم بأنه ليس شريرا ولا مجرما. لكنه قرر أن يتحدى قرار السادات ويثأر لكرامة الوطنية على طريقته الخاصة. 

     انتقل الخبر إلى القاهرة وقرر وزير داخلية الرئيس السادات اللواء "النبوي إسماعيل" توجيه قوات الأمن والفرق الخاصة والقناصة إلى قرية أجهور لمواجهة الموقف غير المتوقع أمنيًا. فلم يكن يخطر على بال النبوي إسماعيل أن يأتي رد الفعل الشعبي من فلاح في قرية متواضعة. 

       امتلأت شوارع القرية الضيقة بالقوات وبدأت المفاوضات عبر مكبرات الصوت بين وزير الداخلية ومحتجز الرهائن سعد حلاوة الذي حذر القوات من أي محاولة لاقتحام المبنى؛ لأنه وضحاياها سيكونون في عداد الموتى، وأعلن مطالبه صراحة، وكانت كالآتي: 

   - طرد السفير الإسرائيلي من مصر، 

   - إغلاق سفارتهم فى مصر ، 

   - إعلان ذلك في بيان رسمي يبث في الإذاعة المصرية مباشرة 

بعدها يتم إعلان الإفراج عن الرهائن والتسليم للشرطة. ولكن وزير الداخلية أبلغ الرئيس السادات بالمطالب فسخر منها وأصدر أوامره بالتعامل معه . وحاول النبوي إسماعيل إقناع سعد حلاوة بأن يسلم نفسه مقابل عدم تقديمه للمحاكمة ولكنه عاد وكرر مطالبه الواضحة، مع إضافة توجيه سيل من السباب والشتائم إلى الرئيس السادات وزوجته ومعاونيه واتهامهم بالخيانة عبر مكبر الصوت. 

 قال نزار قبانى 

سعد إدريس حلاوة 

هو مجنون مصر الجميل 

الذي كان أجمل منا جميعًا 

وأفصح منا جميعًا 

ويضيف نزار ناثرًا: "وأجمل ما بسعد أنه أطلق الرصاص على العقل العربي الذي كان يقف على شرفة اللامبالاة يوم ٢٦ فبراير ١٩٨٠، ويتفرج على موكب السفير الإسرائيلي، والقصة انتهت كما تنتهي قصص كل المجانين الذين يفكرون أكثر من اللازم ويحسون أكثر من اللازم ويعذبهم ضميرهم أكثر من اللازم.. أطلقوا النار على المجنون؛ حتى لا ينتقل جنونه إلى الآخرين .

رحم الله سعد ادريس حلاوة