الجمعة، 15 أكتوبر 2010

قبائلنا تسترد مفاتنها


    قبائلنا تستردّ مفاتنها
    في زمان انقراض القبائل 

 الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة: 97} وتفسير تلك الآية هو أن الأعراب  أشد جحودا لتوحيد الله وأشد نفاقا من أهل الحضر في القرى والأمصار وذلك بسبب جفائهم وقسوة قلوبهم وقلة مشاهدتهم لأهل الخير،  فهم لذلك أقسى قلوبا وأقل علما ..
الاعراب هم البدو .
      تعرض بن خلدون للعمران البشري على العموم مبينا أثر البيئة في الكائنات البشرية . وتطرق لأنواع العمران البشري تبعا لنمط حياة البشر وأساليبهم الإنتاجية "نمط الانتاج " قائلا: ان اختلاف الأجيال في أحوالهم انما هو باختلاف نحلتهم في المعاش. مبتدئا بالعمران البدوي باعتباره أسلوب الإنتاج الأولي الذي لا يرمي إلى الكثير من تحقيق ما هو ضروري للحياة ...ان اهل البدو المنتحلون للمعاش الطبيعي... وانهم مقتصرون على الضروري من الاقوات والملابس والمساكن وسائر الأحوال والعوائد..الخ
           منذ تولى محمد على حكم مصر وبدأ فى بناء الدولة الحديثة من200 سنة تقريبا ، وفى نفس تاريخ بناء الدولة الحديثة فى اليابان"شوف احنا فين واليابان فين "، وبلغت الدولة ذروه نهوضها الفكري  فى ثورة 1919. حبث تلاشت تقريبا كل اشكال العصبية الطائفية ، وتعايش المسلمون والاقباط حياة حديثة متقدمة هدفها بناء الامة المصرية  . امة مواطنين يخضعون لقانون واحد ، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات  . وتطور المجتمع من مجتمع زراعي  ، وصل الى حد نمط الانتاج الصناعي.. وقضى على العصبية القبلية والطائفية.  وجاء عبد الناصر ونجح فى وضع اساس نهضة اقتصادية مستقلة.. وفى 1973 كان قائد الجيش الثاني الميداني الذى عبر وحطم خط بارليف اللواء فؤاد عزيز غالى  القبطي.. ... ولكن اتفاقية السلام مع اسرائيل اوقفت  التقدم وزرعت بذور الطائفية "وتلك قصة اخرى ".
      وبارتفاع اسعار البترول بعد  1973 ، وهجرة اعداد كبيرة من المصريين الى دول النفط ،  عادوا يحملون ثقافة البدو "الفكر الوهابي" .       

ولاننا أمة تؤثر فينا تقاليدنا وموروثاتنا الاجتماعية وأعرافنا تأثيرا كبيراً، حسنها وسيئها، فقد ورثنا إلى جانب المروءة والشجاعة والكرم، العصبية القبلية  والطائفية التي عادت فى ابشع اشكالها ،و تكاد تعصف بكل موروثاتنا الحميدة الأخرى. حيث أضحت تصنيفا اجتماعيا قاسيا وغالبا  يؤخذ به أكثر من العدالة والحق والتسامح ، وانقسم المجتمع الى قبائل يلوذ كل بقبيلتة  او طائفته . انحد

رنا وكنا على مشارف المجتمع  الحديث ، الى المجتمع  شبه البدوي. فاسمع على التويتر ومن من يعيش فى المدينة ويتعامل مع الكومبيوتر  من يقول مفاخرا "  ذهبت الى شيخ القبيلة" .بل وصل الامر  بان الدولة لا تعمل بالقانون بل تطبق القانون العرفي البدوي فى حالات كثيرة . وكم من عائلات هجروا من قراهم اثر حكم عرفي . ترى  هل انحدرت مصر الى عصر البداوة والقبائل فى زمان انقراض القبائل ؟؟؟ هل سادت قيم وتقاليد  قبائل الاطراف على قيم سواد اهل الوادي ؟؟؟




    القبائل لا تعرف الولاء للوطن، تؤمن فقط بالولاء للقبيلة ..حين برتقي الانسان يتخلص من ولاءه للقبيلة ويصبح ولاءة للوطن ،وحين يرتقى اكثر يصبح ولاءة للبشرية كلها  ينحاز للحق والعدل، للفقراء والمرأة،ينحاز لكل ما هو طيب واصيل فى حياة البشر ..



     الفكرة تدور بخاطرى، ولانى لا املك موهبة التعبير ، واعتقد ان الفكرة رغم الفذلكة التاريخية وابن خلدون ، لم تتضح. ولكي تبين اكثر أقدم هنا ، كما يقال  فى تاريخ العلوم، نموذجا إرشاديا كاشفا :






راشيل كورى من مواليد قرية فى ولاية واشنطن، طالبة على وشك التخرج من الجامعة فى مجال الامراض العصبية ، فى عام 2003 انضمت كناشطة ضمن حركة تضامن مكونة من شباب امريكي وكندى وبريطانى، وذهبت الى قطاع غزة من اجل النضال ضد العمليات التي يقوم بها الجيش الاسرائيلى فى غزة ، وعاشت مع اسرة طبيب فلسطينى يسكن غرفتين ، تفترش الارض بجوار احدى بنات العائلة.



     فى ظهيرة 16 مارس2003،  وفى مخيم رفح للاجئين       جاء بلدوزر لهدم منزل الاخوه على ومدحت الشاعر ، فتوجهت الفتاة وسبعة من الاصدقاء الناشطين الاجانب  حاملة مكبر صوت لمحاولة منع الاسرائيليين من التقدم ، ونجحت فى تعطيلهم لمدة ساعتين... ولكن سائق البلدوزر  اقترب يريد دهسها ، فثبتت ولم تتحرك ، رغم صراخ اصدقائها لها بالهرب من امام هذا السائق المجنون  ،الذى  رفعها  بالجراف الامامي للبلدوزر والقاها على الارض وتقدم وسحقها بنصل الجرافة .





حملت فى الرابعة وسبع دقائق من تحت التراب محطمة الجمجمة والاضلاع والعمود الفقري  الى مستشفى النجار برفح ، وفى الخامسة وخمس دقائق اعلن للعالم خبر وفاة المناضلة الجميلة راشيل كورى عن عمر يناهز 23 عاما .. لم يذهب استشهادها سدا ، نقل للعالم مدى همجية الاحتلال الصهيوني ، وعلم من لم يكن يعلم بحق الفلسطينيين فى اراضيهم ، ودفع بالقضية الفلسطينية خطوة الى الامام ...ولو قدرانملة .

تم تاسيس جمعية خيرية فى غزة تحمل اسمها ، كما تم تاسيس جمعيات ومؤسسات باسمها فى عدد من دول العالم . انتج العديد من الافلام الوثائقية عن راشيل كورى والقضية التي استشهدت من اجلها .الفت مسرحية "اسمى راشيل كورى"تعتمد على خطاباتها ومذكراتها وعرضت فى لندن واماكن اخرى ..
     هذا نموذج لانسان امن بقضية لا يربطة بها دين او وطن او عائلة او قبيلة ،نموزج لانسان راقى انحاز للحق ودفع حياتة فى سبيل اعلاءه,..واعلنت  أمام العالم وباعلى الصوت  : انا شهيدة منذ قررت القدوم للدفاع عن المظلومين ،انا شهيدة عندما قررت الوقوف امام البلدوزر اللعين  لمنع هدم منزل اصدقائى ، انا شهيدة امام اللة وهو شاهد وشهيد 
        هل يجوز الترحم على راشيل كورى وقراءة الفاتحة على روحها الطاهرة والصلاة عليها ، سيقول الانسان المتعصب المتخلف بدوى الفكر:  لا يجوز ذلك على المذاهب الاربعة ، لانها ليست من الملة ، ولا يجوز عليها الرحمة .... وهذا هو الفارق..

هناك 6 تعليقات:

احمد خليل يقول...

اعدت نشر هذة التدوينة لان تنسيقها كان سئ جداوكان عليها تعليق من الصديق احمدسالم
يقول...
تأثرت كثيرا بتدوينتك.
للأسف فعلا عندما تستشهد ببعض الناس من ديانات اخرى و ثقافات اخرى وهبوا حياتهم للدفاع عن قضايا انسانية سواء في فلسطين او في افغانستان او في افريقيا, تجد من يخبرك انهم يفعلون ذلك من أجل الشهرة او ان لهم غرض تنصيري او انهم عملاء متخفيون!!!

سمعت مرة رأي قريب جدا لما قراته في تدوينتك عن الاختلاف بين التشدد الوهابي في الدين في السعودية و الرقي و عدم التعصب في بلاد مثل مصر. وكان الربط بين نشئة الصحراء و أثرها الموغل في قسوة القلب و الطباع و بين نشأة الوادي و التي ترقق القلب و تجعله اكثر تسامحا مع الغير و تقبل للآخر.

تحياتي مرة اخرى على هذه التدوينة الرائعة

Unknown يقول...

بس شيخ القبيلة ده زي العمدة
كمان ما اعتقدش ان مصر عادت لحاجة لانها ما سابتش حاجة
اقصد ما اعتقدش ان غياب الدولة والقانون عن الصعيد ده جديد، او احترام الناس للحكم العرفي اكتر من الحكم القانوني ده عودة لحاجة لانه عمره ما اختفى ولا لحظة
وما اعرفش ده تقليد سيء ولا كويس
اصل لما تبقى الدولة ظالمة ومفترية لجوء الناس لبعض عشان يحلوا مشاكلهم بيبقى افضل، وبيعمل نوع من انواع التضامن بين الاهالي اللي عادة السلطة بتاخد ولدهم
لو فيه حاجة جديدة حصلت في النظام القبلي المصري هو انه ابتدا يخضع للامن بعد ما كان صافي
واظن ده حصل ايام التسعينات في الصعيد وابتدا يستشري للاسف في البلد كلها
ومن ساعة ما الامن احكم سيطرته على كل حاجة حتى على النظم العرفية بين الاهالي وحصل اللي حصل
وطول ما الدولة ما كانتش بتدخل في الصعيد ما كانش فيه فتنة طائفية ما حصلتش غير لما الدولة تدخلت بين الناس
وبما انها دولة امنية فجهازها الوحيد اللي بيشتغل بذمة هو الجهاز الامني
هذا والله اعلم

Unknown يقول...

الا صحيح
مين ده اللي لا يحسن التعبير؟
لو مش حضرتك امال حيبقى مين؟

احمد خليل يقول...

سبدتى الفاضلة نوارة،اذكر موقفك الرافض للحكم العرفى الذى ابعد 22 اسرة عن ارضهم وزراعتهم وبيوتهم وكنتى بتصرخى من هذا الظلم ، وبتقولى ازاى الامن يعمل كدة ،الدولة الحديثة تخضع لقانون يطبق على الجميع
عفوا سيدتى ، المدينة فى الدولة الحديثة لا يوجد بها عمدة ولا شيخ قبيلة ،لقد فزعت بعد احتلال العراق حين اجتمع شيوخ القبائل مع الحاكم العسكرى ،تصورت اننا عبرنا هذة المرحلةالقبلية على الاقل فى المدن وريف الوادى .هناك بعض القبائل فى الاطراف ، بدو ولاءهم للقبيلة وليس للدولة . الدولة غير النظام الحاكم ،انا وانت نحب الدولة المصرية بقدر ما نكرة النظام الحاكم
مش بقول ما بعرفش اعبر عن فكرتى؟؟؟؟ ،انا حبيت اقول ان الانسان القبلى لما برتقى بنسى عصبيتة للقبيلة ويبفى هدفة دعم الدولة ولما يرتقى اكثر ينسى عصبيتة لدولتة وينحاز للحق ,, دا انتى صاحبة الكلام دة ، وازمة الجزائر ليست بعيدة
التدوينة دى كتبتها لان هناك واحد على التويتر متعصب ضد المسحيين والشيعة والسوريين والايرانيين وطوب الارض متوافق فقط مع اللى بيصلى جنبة فى الجامع ،انسان قبلى متعصب متخلف بدوى الفكر .جبيت اقول فى هذة التدوينة كيف يكون الانسان راقيا،وممكن اقول حبيت اوصفك ...

Majeed يقول...

صباح الفل .. انت فصلت الكلام وحددت الأحجام والمقاسات بدقة .. كمن يفصل القماش .. فثوب القبيلة لا يتسع للوطن وثوب الوطن لا يتسع للعالم .. فالقبلي يقول: من لا يهتم بشئون القبيلة فليس منها، والمسلم الذي يضيق الدين يقول: من لا يهتم بشئون المسلمين فليس منهم.. وأنت توسع الثوب ليتسع للعالم .. وتقول الصح: من لا يهتم بشئون العالمين فليس منهم .. وراشيل مثال على رقي الفكرة. تسلم وتعيش ..وتهندس وتفصل الكلام على قد العالم... مجيد

Adel Elgamal يقول...

القبائل لا تعرف الولاء للوطن، تؤمن فقط بالولاء للقبيلة ..حين برتقي الانسان يتخلص من ولاءه للقبيلة ويصبح ولاءة للوطن ،وحين يرتقى اكثر يصبح ولاءة للبشرية كلها ينحاز للحق والعدل، للفقراء والمرأة،ينحاز لكل ما هو طيب واصيل فى حياة البشر.. الله علي بساطة ورقي وعمق هذه السطور..عادل الجمل