الصديقة العزيزة وداد مترى …فكرت ان اكتب عنك ولكنى عجزت …
ربما تكون افضل طريقة يا اصدقائى للتعرف عليها كانسانة اهتمت بالشان العام ، هي إلقاء نظرة على شهادتها التى اعيد نشرها عقب وفاتها فى 7 فبراير 2007 فى مركز الدراسات الاشتراكية تحت عنوان " عن خبرات النضال في الفترة من الأربعينات إلى الستينات " :
"تعرفت على الفكر الماركسي في أوائل الخمسينات وكنت طالبة في الفترة من 1948 إلى 1952، ومن خلال صداقات شخصية ببعض الماركسيين. في الحقيقة يعتبر عدلي برسوم أول إنسان تحدث معي في مبادئ الشيوعية. بدأ يتناقش معي في أن هذا النشاط كله يجب أن يكون منظما ويكون مدعما بنظرية حتى يكون أكثر فائدة ومن خلال المطبوعات آمنت بهذا الفكر وتحمست له وكأنني كنت معدة له من قبل".
"رشحت نفسي وأنا في ليسانس فلسفة عام 1952 في اتحاد الطلبة والطالبات، وكان هذا شيئا جريئا ونجحت.. قامت معركة في الانتخابات بيننا وبين الإخوان المسلمين، وكانوا يقولون " لعن الله قوم ولوا شئونهم امرأة".
"كان أول رد فعل الفرح الشديد باعتبار أن ما حدث هو تتويج لكفاح الأجيال على مدى سنين طويلة وخاصة بعد تنازل الملك عن العرش وتركه البلاد. وأول صدمة واجهتني وأربكتني كانت أحداث كفر الدوار وإعدام خميس والبقري ومما زاد في ارتباكي أن أصدقائي في التنظيمات الشيوعية لم يكن لهم موقف موحد".
"عندما أعطى جمال عبد الناصر للنساء حق الانتخاب والترشيح .. بدأنا (مع طالبتها في ذلك الحين شاهندة مقلد) حملة في جميع قرى المنوفية لنجعل النساء يقيدن أسماءهن في جداول الانتخاب. وفي نفس الوقت حدثت معركة 1956، فكنا ندعو الناس للتبرع بدمهم، وانضممت للهلال الأحمر، فكانوا يعطونني سيارة وميكروفون، وكنت أطوف القرى، وفي النهاية أحدد مكان الاجتماع، ويأتي ناس كثيرون للتبرع بدمهم والمشاركة بأي شيء".
"لا أذكر بالضبط موقف التنظيمات الشيوعية من ضرب السلطة للإخوان المسلمين (عام 1954)، لكن موقفي أنا الشخصي هو الاعتراض لأن المفروض في مفهومي أن تعبر كل القوى السياسية عن رأيها وتتصارع بشكل صحي وعلني والجماهير في النهاية هي التي تقف مع وتساند وتلتف حول من يتبنى مطالبها ويكافح من أجل مصالحها الحقيقية ويدافع عنها".
"وحدة 8 يناير كانت الأمل والفرحة الكبرى لجميع الشيوعيين. أما بالنسبة لي فقد تحقق بها الشرط الذي وضعته أمامي والتزمت به وهو ألا أكون منظمة في حركة طابعها الانقسام. لقد وافقت أن أكون عضوه بالحزب الشيوعي ابتداء من 8 يناير".
"المستوى التنظيمي الذي وصلت إليه هو عضو منطقة شبرا، أما الدور الذي قمت به فهو كل ما ستلزمه هذا المستوى التنظيمي، وظللت أمارس هذه المسؤولية حتى باغتتنا حملة 1959 بضراوتها وشتت الجميع".
"أمضيت في السجن أربعة شهور وعشرين يوما من 10 يوليو حتى آخر نوفمبر.. كان معي في وقت القبض علي الزميل العزيز والمناضل الشريف فخري لبيب وكان متماسكا وعظيما بينما كنت في حالة انهيار وارتباك شديد. فقد كنت أفكر في أسرتي التي كنت مسئولة عنها بعد وفاة والدي الذي لم يكن مر على وفاته شهران حيث أنني أكبر أخوتي وكنت الوحيدة التي أعمل وأساعد في مصاريف المنزل. وفي ليلة القبض علي كنا سنسافر إلى الإسكندرية بعد ساعات وقد أخبرتهم أنني سأخرج لفترة قصيرة لشراء بعض الطلبات ولكنني لم أعد".
"لي تجربة في قرية مليج، حيث أوجدت فيها قاعدة ممتازة، ولكن بأخطائي وبغبائي أضعتها وهذا يبين أننا يمكن أن نقع في أخطاء بدون أن ندري. فقد كنت أذهب إلى مليح وكانت الناس تثق في كلامي، ويحبونني لدرجة أنني أجدهم يقفون على الجسر في انتظاري. وفي أيامها كانت هناك المعونة الأمريكية، كانت أمريكا ترسل لبنا وجبنا ويوزعونها على المدارس، فكنت أظل أتفلسف وأقول لهم لماذا تعطينا أمريكا هذه الأشياء في اعتقادكم؟ أقول لهم أمريكا هذه تقول "أطعم الفم تستحي العين". ونسيت أنني أتكلم مع ناس غلابة جدا، وأن القليل من اللبن والجبن هذا ينفعهم وينفع أطفالهم في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها".
" كان التنظيم حريص على المشاركة في المعارك الجماهيرية السياسية والنقابية. بالنسبة لي كمدرسة كنت أنتمي لمكتب المعلمين بالحزب كما كنت أنتمي لمكتب المرأة. وكنت أشارك الأستاذة فاطمة زكي والأستاذ أديب ديمتري في مكتب المعلمين. وفي مكتب المرأة كنت أشارك أنجي أفلاطون وعنايات المنيري وآخرين. وكانت هذه المكاتب تضم أعضاء من جميع التنظيمات الشيوعية ولم تقتصر على حزب واحد".
"توج كل هذا النشاط (لجنة الجزائر التابعة لحركة أنصار السلام) بمظاهرة نسائية كبيرة طافت بشوارع القاهرة حتى وصلت لمقر الأمم المتحدة مطالبة بعدم إعدام المجاهدة الجزائرية جميلة بوحريد والإفراج عنها. وقد شاركت طالباتي في هذه المظاهرة، وكانت سعادة طالباتي كبيرة عندما تم الإفراج فعلا عن جميلة بوحريد واعتبرن أنهن ساهمن فعلا في الإفراج عنها".
" كنا نطالب بدور حضانة للعاملات، والالتزام بساعات الرضاعة، وغيرها من المطالب التي تمس بشدة المرأة العاملة، ونظمنا حملة كبيرة جدا .. حيث التفت حولنا النساء، خاصة العاملات والمدرسات بالتحديد، عندما شعروا بأهمية هذه المطالب لهن. وهذه قاعدة عامة في العمل الجماهيري، فلا بد من البحث عن المشاكل الحقيقية للناس ومحاولة حلها لكي يقفوا معنا".
" كنت أدخل كل انتخابات المعلمين وكنت أنجح، ليس لأني فلتة، بل نتيجة للخبرة حيث تعلمت أنه لابد قبل الدخول في الانتخابات أن يكون المرء معروف للناس، ويعمل في وسطهم ويرتبط بهم، وبالفعل يقوم بعمل شيء مفيد لهم، لكي يشعروا هم أنه إذا دخل نقابة أو دخل تنظيم سيفيدهم أكثر..أما الذي يقفز فجأة على الناس ويرشح نفسه، لا ينجح إلا إذا كانت لديه طرق أخرى غير مشروعة هي التي تنجحه".
"أسست ما يسمى بالجمعية الفلسفية ومن ضمن النشاط الذي قمت به في الجمعية أني أحضرت تصريحا للطالبات بزيارة سجن النساء للدراسة، وقد كانت تتصور طالبات الثانوية العامة أنهن سوف يقابلن المجرمات وتاجرات المخدرات والقاتلات، فذهبنا لرؤية المسجونات السياسيات، فقالوا لي ما هذا يا أبله قلت لهم لتعرفوا أن هؤلاء النساء سجنوا من أجل التمسك برأيهن ومبادئهن".
"بالنسبة لي القضية الفلسطينية هي القضية التي سكنت كياني وهي القضية التي ظلت وستظل من أهم القضايا في حياتي...ولن أتوقف عن النضال من أجلها بكل ما بقي لي من جهد وحتى نهاية العمر".
هذا بالنسبة لبعض النشاط السياسي والنقابي فى مرحلة الشباب من حياة الصديقة العزيزة وداد مترى ، والذى كان دائما يتم بهدوء شديد وبلا صخب ، واستمر فاعلا ومؤثرا ... واذا اردنا ان نتعرف على وداد الصديقة والانسانة ، فاقرأ صياغة ابنتنا الكاتبة المتألقة نواره نجم ، فهى اقدر منى دائما على كتابة ما اطمح فى قوله . وهذا ما جاء فى نعيها لوداد عقب وفاتها فى 18 يناير 2007 ونشرنه فى مدونتها حبهة التهييس الشعبية بنفس التاريخ .
…………..
……………
اعتدت أن طنط وداد هي الملجأ والملاذ لكل بني البشر على اختلاف مشاربهم وأطيافهم وألوانهم وأديانهم وأجناسهم، وأيضا، على اختلاف آلامهم، التي تعهدت "طنط وداد" بتخفيفها، وعلاجها، واحتضان كل المفزوعين والمنزعجين والباكين والمفجوعين، وكأنه واجبها الطبيعي الذي خلقت من أجله، وكأن أحدا ليس مطالب بإسداء الشكر لها: "هي طنط وداد كده".
كنت أشعر بفخار حين أنظر لطنط وداد، نحن الاثنتان ننتمي لبرج الميزان، وكان الزهو يملأني حين تشتكي مني والدتي لـ"طنط وداد": "أعمل إيه في برج الميزان اللي عندي يا وداد...."، فتجيبها بهدوءها الباسم: "آه...أنا كنت عارفة إني ح اتلط..."، كنت أردد في نفسي: "أنا وطنط وداد زي بعض؟ يااااااه، أنا زي طنط وداد؟ يا رب..."
…….
…………..
وهي إحدى المناضلات اللاتي اعتقلن في سبيل قضيتهن، وبيتها كان الملاذ لكل الرموز الوطنية الشريفة، ولمساكين هذا البلد وفلاحيه البسطاء، وهي الأم الحنون لهم جميعا، التي تحملهم فوق "رموش عينيها"، كل من أصابه ضيم أو ظلم يعرف بيت "طنط وداد"، وكلنا كان يشعر بالاطمئنان، أنه إذا ما عصفت به الخطوب، فهناك "طنط وداد" وبيت "طنط وداد".
وهي ذاتها "طنط وداد" التي دأبت بإصرار حثيث على إنكار ذاتها، والتواري عن الأضواء بل التهرب منها بـ"المشوار"، والتقليل من ذاتها وعملها وإنجازاتها ناظرة في حنان وإعجاب لأضعف، وربما لأتفه، مخلوق على وجه البسيطة: "هو أنا آجي فيك إيه بقى؟"
ولأن "طنط وداد"، كانت تمارس أمومتها نحو كل البشر بعفوية، مقتنعة ومقنعة الآخرين، أنه واجبها الطبيعي، فإنني تلقيت نبأ وفاتها مرددة: "كده برضه يا طنط مشيتي؟" ومن يحمل عنا الألم الآن؟ اعتدنا أنها مسئولية "طنط وداد" أن تخفف الآلام، وتداوي الجراح، فمن ينوب عنها في تخفيف وجع فراقها؟
بالنسبة لي منزل "طنط وداد"، هو منزل التجمعات الدافئة مع أحب الأصدقاء الذين لا أراهم سوى "عند طنط وداد"، وهو منزل الأفراح والأعياد وعزومة الإفطار في رمضان الواجبة، حتى أنني كنت أمازحها إذا ما تأخرت في تحديد موعد يوم الإفطار قائلة: "إيه يا طنط هو رمضان مش ح يجي بقى، ده احنا بقينا يوم عشرة.."، وأضع رأسي في رأس "طنط وداد" ونتضاحك، وأحصل على جرعة الدعم المعنوي التي أتغذى عليها حتى تنفد فأعود لأتصل بـ"طنط وداد": "عايزين كمالة.."
وكأنها مسئولة عن كل من يعرفونها؛ قبل وفاتها بيوم واحد، حين كانت ترقد في العناية المركزة، رأت شاهندة مقلد، إحدى رفيقات دربها النضالي، في منامها أنها تتشبث بـ"طنط وداد"، وتقول لها: "ما تسيبينيش يا وداد...ما تسيبينيش يا وداد
قلتش انا حاجة ؟؟؟ وداد هى اللي حكت عن بداية مشوارها السياسى والنقابى ، ونوارة اللي قالت عنها كأم وصديقة وانسانة... ويا ريتنى كنت اعرف اقول احسن من اللى اتقال ...كنت قولت !!!
هناك تعليقان (2):
هذا هو التاريخ الحقيقي ، تاريخ الشارع ،تاريخ الناس ،لمن أراد أن يعرف كيف كانت مصر والناس ف مصر ، هذه مسئوليتك ياأستاذ ،أن تكتب هذا التاريخ .أرجوك .. وشكرا لك من الأعماق
ياااااااااااا يا عمو.. وحشتني قوي قوي قوي
وباحتاجها كتير قوي قوي قوي
إرسال تعليق